التفاوض منهجٌ أساسيٌ ومن خلاله تُبْنى الأوطان وتزدهر المجتمعات


إستوت الحياة مع الموت عند الجيل السوداني الجديد، ليس لديه ما يخاف عليه فيحرص، تعلَّقَ بحُلْمهِ البهِيّ المتناثرِ بروقاً لامعةً أمام ناظريه، فهو في سعيٍ عنيدٍ لجمعها وتركيبها حياةً مليئةً بالعطاءِ والمثابرة، بيئةً تتيحُ ذلك التبادل الممتع في وطنٍ مستقِرٍّ ينضحُ حريةً وسلاماً وعدلا، ودون ذلك لا معنى للحياةِ بل هي الشهادةُ والارتقاءُ و”مجاورة” أجمل وأعظم أبناء السودان على مَرِّ تاريخه الوطني ..


الحوار والتفاوض أساس للعمل السياسي الوطني الديموقراطي


تلك هي الرؤية التي تسيطر تماماً على أفئدته وتُفجِّر طاقاته تظاهراً وإبداعاً للأهازيج والأغنيات والشعارات البديعة .. هذه الأجيال الجديدة في كفاحها المُصَمِّمْ على الصعود بالثورة إلى مراقي أهدافها وأحلامهم ، خرجوا اليوم من كل منزل وكوخ في كل أصقاع السودان على ذلك الطريق واحتفاءً بالذكرى الثالثة للثورة ، وقد أصبح شعارهم/نشيدهم في الفترة الأخيرة لاءات ثلاثة : لا تفاوض ، لا شراكة ، لا شرعية.


والحركة السياسية – أحزاباً ومنظمات – لا نريد تكرار أنها هي ذاتها ، في ركودها وتنافسها السلبي وتغليبها الذاتي على أمر الوطن والمواطن (على الموضوعي)، لا نريد التكرار فالمشهد يغنينا عن ذلك ، المشهد الذي يُجَسِّدُ ما نعني كأبلغ ما يكون التجسيد : أحزاب ارتمت في أحضان المكون العسكري وراحت تنسج معه خيوط الانفراد وتُعطيه شرعية أن يخرق الوثيقة الدستورية ويعبث ببنودها في كافة الأبواب والمناحي فجلست معه (والحركات المسلحة) في أروقة الذي أسموه “مجلس شركاء الفترة الانتقالية” كأكبر خرقٍ للوثيقةِ وخروجٍ عليها.


وفي ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ تم هَدْمِ ما تبقّى من الوثيقة الدستورية باعتقال حمدوك وحَلِّ حكومته ، عند ذلك فقط شعرت تلك الأحزاب بالخطر ، ولكن الخطر فقط على مصالحها ونفوذها وليست الأخطار على الوطن ألتي انتصبت منذ تحالفها مع “اللجنة الأمنية” وإقصاء زملائها في الأحزاب والتنظيمات الأخرى.


والأحزاب التي تم اقصاءها قادت حركةً واسعةً تقدمت فيها بالمبادرة تلو المبادرة لفتح أبواب قوى الحرية والتغيير التي تتيح لها العودة إلى مواقعها الطبيعية، والناظر بمسؤوليةٍ وجِدِّيَّة لهذا المشهد المتداخلِ والمعقّد ، لا بد أنه سيشعر أنّ هنالك مؤامرة تجري للإبقاء على السودان الضعيف المُسْتَبَاح ، وأنّ المدخل لتنفيذ هذا التآمر هو ضرب وحدة الحركة السياسية في البلاد وخلق حالة العداء والتوجُّس السائدة الآن، كما تفعل جماعة الاخوان بين تلك الأحزاب والتنظيمات ودفعها دفعاً على طريق الفشل والخسران المبين. 


علماً بأن وحدة القوى السياسية وكل قوى الثورة – جنباً إلى جنب- مع السلمية التي طبعت الثورة ولا زالت في كل مراحلها ، هي الأسلحة الحاسمة في الانتصار (سابقاً ولاحقاً)، وأنّ ذلك التشاكس وتبادل حالة الفشل بين الأطراف السياسية يقود الأجيال الجديدة في لجان المقاومة إلى حالةٍ من اليأس فالعداء للأحزاب السياسية …


ولا بد إذن من أن تحتكم القوى السياسية إلى صوت العقل وتستعيد جسور الثقة بين بعضها البعض ، والانتباه إلى أنها تعبيرات عن التعدُّد الذي يزين مجتمعنا ؛ كلٌّ عن عطر من عطور ذلك التعدُّد الأنيق ، كلٌّ له أهميته فلا استغناء عن أحد ، وتجلس إلى بعضها ومعها لجان المقاومة المنتشرة على إمتداد القطر (وفق الصيغ التي يرتضونها) ، في حوارات عميقة تُراجع فيها مسيرة الثورة بالنقد السديد والرؤى النافذة للمستقبل التماساً حانياً لأوجاع الشعب وهموم الوطن ..


امَّا اللاءات الثلاث التي تُزيِّن نشرات الشباب وبياناتهم ، فليست كلها في تمام الصواب ، فمثلاً : “لا تفاوض” ؛ كيف لا نتفاوض والعمل السياسي أصله تفاوض ؟ الأحزاب مع بعضها ، وبينها وبين لجان المقاومة ، ولا بد أولاً من انهاء حالة التوجُّس والشك بين القوى المدنية (الأحزاب والتنظيمات) ، وما بينها وبين القوات المسلحة ، وذلك كله بالتفاوض، لأن “التفاوض” منهجٌ أساسيٌ ، حميدٌ ومطلوب ، وعبره فقط تُبْنى الأوطان وتزدهر المجتمعات..


 


التفاوض منهجٌ أساسيٌ ومن خلاله تُبْنى الأوطان وتزدهر المجتمعات التفاوض منهجٌ أساسيٌ ومن خلاله تُبْنى الأوطان وتزدهر المجتمعات بواسطة KBenj on ديسمبر 20, 2021 Rating: 5

ليست هناك تعليقات

مدون محترف