الفيلم السوداني وداعاً جوليا.. نجاح سوداني يجوب العالم..جزء من جسد السودان انبتر
الفيلم السوداني وداعاً جوليا.. نجاح سوداني يجوب العالم..جزء من جسد السودان انبتر
على الرغم من مرور أربعة أشهر على عرض الفيلم في دور السينما، إلا أن “وداعاً جوليا” لا يزال يلقى نجاحاً غير مسبوق وطلباً مستمراً للعرض السينمائي في مصر وحول العالم.فقد جرى توزيع “وداعاً جوليا” في 19 دولة عربية وأوروبية، وفق “MAD Solutions” الشركة المسؤولة عن توزيع الفيلم، التي أن دور العرض في الأردن وتونس والعراق في انتظاره قريباً.وقد حصد الفيلم السوداني مؤخراً جائزة أحسن فيلم في مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية في مصر، وفي مهرجان بغداد السينمائي في العراق.
افتتاحية الفيلم تأخذك مباشرة إلى السودان اليوم، الغارق في الصراع الدموي، رغم اختلاف طرفي النزاع بين الأحداث الراهنة وأحداث قصة “جوليا”، التي تبدأ بمصرع جون قرنق، مؤسس الحركة الشعبية لتحرير السودان، وأحداث الشغب في الخرطوم عام 2005.يدور الفيلم على مدى ستة أعوام حتى انفصال جنوب السودان عن الشمال بعد استفتاء شعبي، وخلال تلك السنوات، تكشف لنا الدراما جانباً من طبيعة العلاقة بين الشماليين والجنوبيين على المستوى المجتمعي.
“جزء من جسد السودان انبتر”“ما زال الجرح قائماً .. فهناك جزء من جسد السودان بُتِر”، هكذا تقول ولاء محمد بصوت متهدج بعد أن شاهدت الفيلم في إحدى قاعات السينما المصرية لأول مرة.“لم أتخيل ولو للحظة أن للجنوبيين الحق في الانفصال”.
تعيش ولاء الفتاة السودانية في مصر منذ أشهر بعد أحداث العنف الأخيرة التي مر بها السودان، وتقول إن الفيلم جسّد أمام عينيها ولأول مرة “العنصرية” ضد الجنوبيين “الأقلية”، الذين توكل إليهم الأعمال “الهامشية” كالخدمة في البيوت، بحسب ولاء.وتصف ولاء معالجة الفيلم لهذه المسألة بـ”الذكاء”، مشيرة إلى مشهد في الفيلم حيث كانت بطلته “منى” تقوم بتمييز الأواني التي تستخدمها خادمتها “جوليا” باستخدام طلاء الأظافر.
وتضيف قائلة: “نحن الشماليون يتعامل قطاع كبير منا بعنصرية مع الجنوبيين؛ فنحن لا نشرب معهم من نفس الكأس ونعطيهم عِدة [أدوات] منفصلة تماما”، وترى ولاء أن ذلك نوع من “الاستعلاء الطبقي” الذي ربما قاد الجنوبيين إلى السعي نحو الانفصال.
وتختم الفتاة السودانية حديثها قائلة: “الانفصال خسارة لنا، لا لهم”.هذه الخسارة التي قد يكون مؤلف الفيلم ومخرجه محمد كردفاني قد رمز لها من خلال تسرب الماء من سقف منزل “منى”، الذي توقف بعد أن دخلته “جوليا” قبل أن يعود بغزارة أكبر بعدما ودعته للأبد.
حصد “وداعاً جوليا” حتى الآن 24 جائزة عربية ودولية، ويقول كردفاني إنه كان يتخيل أن يُعرض الفيلم كغيره من الأفلام السودانية السابقة في المهرجانات، وقد يحصل على عروض سينمائية صغيرة في الدول التي تهتم بالأفلام المستقلة.يقول: “العرض في دور سينما تجارية لم يكن متخيلاً أو متوقعا”، مضيفا أنه لا يزال يعرض في دور السينما في الخليج وفي مصر وفرنسا وهو حاليا قيد التوزيع في دول أخرى.
وأشار المخرج إلى أن الفيلم السوداني سيُعرض في سويسرا والنمسا وألمانيا وبلجيكا وهولندا وأستراليا ونيوزيلاندا وتايوان، وهناك دول أخرى عربية وغربية سيعرض فيها لاحقاً.وعلى الرغم من القبول الأوليّ للفيلم الذي ظهر من خلال حصول نصه على تمويل من جهات عدة للتطوير والإنتاج، إلا أن القائمين عليه لم يتوقعوا أن يكون النجاح واسع النطاق، بدءاً من حصده جائزة الحرية في مهرجان كان السينمائي.
وقال المؤلف والمخرج “كنت أتوقع النجاح لكن الحقيقة فاقت التوقعات، لأن الفوز في مهرجان كان لم يكن متوقعاً، فهو أمر صعب أن يحصده فيلم عربي”.شهد “وداعاً جوليا” إقبالاً جماهيرياً عربياً وغربياً، ويقول علاء كركوتي، رئيس مجلس إدارة “MAD Solutions” الشركة المسؤولة عن توزيع الفيلم، إن الإقبال الأكبر كان في مصر والإمارات والسعودية.
وأضاف كركوتي أن وجود الفيلم السوداني في السينمات التجارية في مصر يعد “استثناءً”، مضيفاً أنه “لم ينجح قبل ذلك أي فيلم غير مصري في السينمات المصرية بهذا الشكل”.وأكد كركوتي أن جمهور الفيلم لم يكن سودانياً فقط، لأن الفيلم “استطاع أن يصل إلى الكثير من الناس من مختلف الجنسيات”، موضحاً أن وجود السودانيين ساعد في نجاح الفيلم في مصر حيث وصلت نسبتهم ما بين 65 إلى 70 في المئة.
كما يرى المخرج كردفاني أن الصراع الحالي في السودان كان عاملاً مهماً ساهم في نجاح “وداعاً جوليا”، بعد نزوح العديد من السودانيين إلى مصر.وأضاف “حين عرض الفيلم في مصر كان الإقبال عليه كبيراً، ما أدى إلى عرضه تجاريا في الخليج وفي دول أخرى”.
في الوقت الذي جسدت فيه المطربة السودانية “إيمان يوسف” الشخصية الشمالية “منى”، استعان صناع الفيلم بوجه بارز من جنوب السودان وهي سيران رياك ملكة جمال الجنوب عام 2015، لتجسد شخصية “جوليا”.كان الانطباع الأوليّ لسيران عن شخصية “جوليا” حين قرأت النص هي أنها شخصية مثيرة للاهتمام، لاسيما وأن قصتها لا تبتعد كثيراً عن قصص عاصرتها.
وتقول سيران “عشت بعضاً من الأحداث التي حدثت خلال الانفصال، لذا كنت قادرة على الاتصال بشخصية جوليا من ناحية المشاعر”.ويقول محمد كردفاني إنه بدأ كتابة هذا الفيلم الروائي الأول له عام 2018، بعد أربعة أعوام من دخوله هذا المجال لأول مرة، مؤكداً لبي بي سي أن قضية العنصرية راودته ككاتب منذ فترة طويلة.
وأضاف أنه حين علم بنتيجة الاستفتاء على انفصال جنوب السودان عام 2011، والتي بلغت 99 في المئة؛ فكتب حينها أن العنصرية كانت من الأسباب الأكيدة للانفصال.ومع ذلك، جادل بعض من شاهد الفيلم من السودانيين أن القصة ربما تكون أكثر انحيازاً لجنوب السودان، لكن كردفاني أوضح أن الفيلم في الأصل موجه لسكان الشمال.
قال: “الفكرة أصلاً كانت تتناول الظلم الاجتماعي عند الشماليين، والانفصال أحد أسوأ تجليات ذلك”وأضاف صانع الفيلم أن العنصرية لا تزال مشكلة مستمرة في شمال السودان، لاسيما في إقليم دارفور، الذي يعاني من “التهميش والتفرقة العنصرية والقبلية”، بالإضافة إلى أقاليم أخرى كالنيل الأزرق وجبال النوبة وشرق السودان.
“وداعاً جوليا اتخذ من جنوب السودان مثالاً، لكن الفيلم ليس عن الشمال والجنوب، بل هو موجه للشماليين كي يدركوا المشكلة قبل فوات الأوان”.جدير بالذكر أن تصوير الفيلم جرى قبل الصراع العسكري الحالي في السودان، ويرى كردفاني أن الفيلم “تنبأ بهذه الحرب بشكل ما”، لكن للأسف وكما يقول المثل العربيّ “سبَقَ السيفُ العَذَل”.
ليست هناك تعليقات