السودان بين مرآة الذات ولا مبالاة العالم
السودان بين مرآة الذات ولا مبالاة العالم
في كثير من اللقاءات مع بنات وأبناء السودان، يتّضح حجم التباين في فهم طبيعة حرب ١٥ أبريل وتحديد المسؤوليات حول ما جرى ويجري في البلاد. يعود هذا الاختلاف لعوامل متشابكة: من الجغرافيا والإثنية، إلى الطبقة والمصلحة المباشرة، وصولاً إلى تصورات كل فرد عمّن تسبب في الأذى. وزاد من تعقيد الصورة حجم التضليل الإعلامي وآلة الدعاية التي سخّرت الخوف والانتماءات الأولية كوسيلة لإعادة إنتاج الانقسام والتشظي.
لكن رغم هذا التباين، يبدو أن ما يجمعنا هو الإحساس العميق بأن العالم لا يُعيرنا أدنى اهتمام. لا القارة التي ننتمي لها، ولا الإقليم العربي، ولا المجتمع الدولي، أظهروا اكتراثاً حقيقياً بكارثتنا الإنسانية الأكبر في العالم اليوم. فالحرب لم تكتفِ بتدمير البنى المادية، بل قضت على ما هو أعمق: فكرة الوطن والانتماء والمواطنة، لتتحول البلاد إلى شتات اجتماعي وأخلاقي، تتنازع فيه الهويات الأولية وتضيع فيه بديهيات التفاهم.
ورغم وفرة ما نملكه من ثروات مادية – من ذهب ويورانيوم ومياه وأرض – فإن جوهر القيمة لا يكمن في المادة بل في معناها الاجتماعي والمعنوي. فالثروة لا تعني شيئاً إن لم تجد من يمنحها معنى. وما لم يرتبط المال بقيمة عليا أو مشروع مشترك، يظل عديم الجدوى في زمن الخراب. نحن أصحاب إرث حضاري وثقافي ومعنوي يجعلنا جزءاً أصيلاً من شرق القارة وغربها، من شمالها وجنوبها، دون أن نشعر بالغربة أو يُشعرنا بها الآخرون.
السودان، بموقعه وثقافته وتاريخه، ليس عبئاً على البشرية بل فرصة لها. غير أن ما يحدث اليوم ليس نتاج شعب بأكمله، بل صنيعة أقلية مسلحة بالسلطة والجهل، وجدت من يصفق لها ويصنع لها الهتاف، فاستغلت بؤس الناس وأوجاعهم لتعيد إنتاج الجنون كخيار وطني. لكن التاريخ يعلمنا أن الشعوب حين تنهض لا تقف عند من خذلها، بل تفتح درباً جديداً من رماد الخراب. نحن قادرون، إن تماسكنا، على إعادة المعنى لوطن فقد بوصلته، ولشعب يستحق الحياة.
بواسطة MA.A
on
يونيو 14, 2025
Rating:

السودان بين وجعو الداخلي وصمت العالم المؤلم.. بلد بينزف والعالم بيتفرّج.
ردحذف